يشاركني الكثيرون الفرحة بعودة دور السينما، ورغم انعدامها في الفترة الماضية إلا أن ذلك لم يمنع ظهور إبداعات في صناعة المحتوى والأفلام القصيرة ومقاطع اليوتيوب. فعلى سبيل المثال، ظهر العديد من المواهب الفذّة كعلي الكلثمي، ومالك نجر، ومشعل الجاسر، وبدر الحمود وغيرهم من المواهب التي كشفت عن إبداعاتها ولا يزال لديها المزيد. كل هؤلاء سيكون لهم دور في الفترة القادمة وسيساهمون في نقل وتطور صناعة الأفلام السعودية. قد لا أكون متخصص لأدلي برأيي في هذا المجال، لكني كغيري من المتذوقين تغمرنا قنوات الإعلام القديم منه والجديد بأعمال معظمها غث! وأطمح كمسوّق بأن يرتقي مستوى الفن ليخلق ميزة تنافسية سعودية.
في خضم تسارع الخطى نحو السينما وصناعة الأفلام، لابد من الالتفات للمسرح. فمنذ بروز ملامحه قبل 2500سنة وهو مرن ومواكب للتطوّر. معظم الفنون خرجت من رحم المسرح بما في ذلك صناعة الأفلام، فالمسرحية سبقتها وأسست لها لتُخرج إبداعات الكتاب، والممثلين، ومهندسي الديكور، والإضاءة، والصوت، وغيرهم. للمسرح إحساس وسحر خاص، فلم يحجبه ما حجب السينما في الفترة الماضية. ربما أُهمل ولم ينل حقه فلم يظهر بالشكل المرجو، مما أدى إلى ظهور منتجات تجارية تنسب إلى الفن وهو منها براء.
برأيي أن للمسرح دور مهم في صناعة قامات الفن. أحد أهم رموز الكوميديا لدينا في السعودية ناصر القصبي وعبد الله السدحان واللذان برزا من خلال عملهما الشهير “طاش ما طاش”. ناصر وعبد الله لم يتخرجا من جامعة الملك سعود وحسب بل من مسرحها أيضًا. المسرح للفنان كالنادي للرياضي، فهو يصقل الموهبة ويُعد الفنان ويجرّئه ويفتح الآفاق فلا تصبح أعمالنا مكررة وأفكارنا مستوردة. حينها لن يُقدّم أحدهم عملًا ركيكًا ثم يبرز على المنصات الرقمية بعدد المشاهدات الوهمية أو مرات الإعجاب المدفوع لها.
لا يقتصر المسرح على إعداد الفنان بل يطوّر ذائقة الجمهور ويهذب عواطفه بالتفاعل المباشر. فيتعلم كيف ومتى يبدي إعجابه وبشكل حضاري دون مغالاة. وكذلك الأمر عندما يهبط مستوى العرض فعدم تفاعل الحضور يكفي لإيصال الرسالة. بل أحيانًا يصل الجمهور إلى مرحلة من النضج فتجده في بعض المسارح يُحرج الفنان ولا يتوانى في التعبير عن امتعاضه من الأداء الركيك. عندما نصل إلى تلك المرحلة سيفكر الفنان ألف مرة قبل أن يعتلي خشبة المسرح ليقدم محتوى سَمِج يسميه “ستاند أب كوميدي”. ولو أن للمسرح شأن لما انتشرت المحاولات الركيكة والمستوردة حتى بمحتواها، ولكانت عروض الـ “ستاند أب كوميدي” امتدادًا طبيعيًا للعروض الارتجالية والفكاهية من بيئتنا بمختلف أنواعها كتلك التي قدمها الفنان عبد العزيز الهزاع والفنان راشد السكران وحتى الشعبي منها كالتي قدمها الفنان صالح الزراق أو الفنان محمد السليّم.
كانت دراستي للمسرح كإحدى المواد الاختيارية في الجامعة تجربة لا تنسى تعرفت فيها على تاريخ المسرح حول العالم ولا أزال أتذكر صور ومقاطع المسرح الصيني والمسرح الهندي ومسارح الدمى. أرى أن الوقت قد حان لأن يؤصل المسرح في مناهجنا ليكون رافدًا لصالاته الموجودة في كل مدرسة وجامعة. يجب أن يكون للمسرح مرجعًا في مناهجنا الأدبية ويؤسس لفهمه وينقل للنشء تجارب الشرق والغرب لتتاح الفرصة للمواهب فتُبدع وتخرج أعمال مختلفة سواء كانت مسرحية أو غيرها من الفنون. بعدها يأتي دور المراكز الثقافية وجمعيات الثقافة والفنون لتهيئ المواهب للاحتراف. تأصيل المسرح من شأنه تحسين المنتجات الفنية والحد من انتشار المنتجات الركيكة. هذه المنتجات تُغش بها قنوات التلفزة قبل المشاهد فتهدر موارد أعدت لدعم الفن الحقيقي والإبداع.