لا يَفل الحديد إلا الحديد

في عام 1954 أطلقت أشهر شركات التبغ حملة إعلانية حققت ارتفاعًا في مبيعات السجائر المفلترة بلغ أكثر من 3241%. وكان الهدف هو الترويج لذلك النوع من السجائر بين الرجال،إذ كانت تلقى رواجًا بين السيدات، وهي شريحة صغيرة جدًا مقارنة بالرجال في ذلك الوقت.

كانت الفكرة هي إطلاق شخصية رجولية صلبة تثبت أن السجائر المفلترة ليست للنساء فقط، وأن أكثر الرجال غلظة وصلابة يستمتعون بها أيضًا، وهنا وقع الاختيار على شخصية راعي الأبقار. وصلت المبيعات في تلك السنة ما يزيد عن خمسة مليارات دولار و20مليار دولار في السنة التي تلتها.

استمر نجاح تلك الحملة عقوداً من الزمن، فكانت تجذب الرجال من جميع الأعمار وترسخت صور الخيل ورعاة البقر والمناظر الخلابة وألوانها المميزة في أذهان جميع من عاصر تلك الفترة. إضافة إلى العبارات التي استخدمت مثل “استمتع بطعم اللحظة” و “تعال إلى حيث النكهة” وغيرها. وحتى بعد فرض القيود على إعلانات التبغ ومنع ظهور العلامة التجارية أو صور السجائر، كانت تلك المناظر كفيلة بجذب بعض المتلقين.

في أواخر التسعينيات الميلادية، قامت دائرة خدمات الصحة في ولاية كاليفورنيا بحملة ذكية مضادة للتدخين. استخدمت أسلوبًا يدعى بالسم الطفيلي (Poison Parasite) وهو أسلوب دعائي مبتكر يقوم على استغلال إعلان الخصم وبث عبارة عكسية (السم) فتخرج دعاية جديدة تحمل رسالة مضادة. ولا يقف الأمر هنا، بل أن الأثر يستمر ليتطفل على جميع إعلانات الخصم التي تحمل ذات النمط فتفسد فعاليتها.

يعتمد نجاح هذا الأسلوب على ركيزتين أساسيتين. الركيزة الأولى هي “الطفيلية” وتمثل استغلال الروابط المشتركة التي تعلق في الذاكرة من الإعلان الأصلي، وقد يكون ذلك باستخدام المشاهد أو الشخصيات نفسها، أو أي روابط أخرى. والركيزة الثانية هي “السم” وتتمثل في الرسالة المضادة التي تُعيق عمل رسالة الإعلان الأصلي. ويجب أن تكون الرسالة أو العبارة ذات دلالة قوية للتشكيك في الادعاء الأساس.

أخرجت دائرة الصحة حملة دعائية مشابهة لإعلانات شركة التبغ. ويظهر فيها اثنان من رعاة البقر وبدلاً من أن تدعو العبارة لتجربة التبغ كما في الإعلان الأصلي، استُبدلت بعبارات يُخبر أحدهما الآخر: “لقد فقدت رئتي يا بوب” وعبارات مشابهة أخرى. ارتبطت هذه الصورة ذهنيًا لدى المتلقي مما زاد من قوة الدعاية المضادة فكلما رأى إعلانات تلك شركة سيتذكر العبارات المضادة. وبهذا الأسلوب، استطاعت دائرة خدمات الصحة وئد إحدى أنجح الحملات الإعلانية على مر التاريخ فتحققت مقولة: لا يفلّ الحديد إلا الحديد.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s