الحصانة من الجرب

سأسرد هنا ثلاث قصص أثارت بعض التساؤلات في ذهني حول أثر وجود وتعزيز قِيَم المنشأة على العلاقات العامة وتخفيف وطأة الأزمات. قبل حوالي شهر تناولت الأنباء حادثة اصطدام إحدى سيارات القيادة الذاتية بسيدة كانت تعبر الشارع في ولاية أريزونا مما أدى إلى وفاتها. انهالت التساؤلات حول أنظمة القيادة الذاتية ومدى سلامتها. على الرغم من ظهور صور السيارة بعد الحادث في وسائل الإعلام، إلا أنه لم يُشار إلى نوع السيارة والشركة المصنعة لها.

القصة الثانية كانت حول أمر قضائي أصدره قاضٍ في ولاية كاليفورنيا يُجبر بائعي القهوة في الولاية على وضع عبارة تحذيرية أن القهوة قد تُسبب الإصابة بالسرطان. انتشر الخبر في الوسائل الإعلامية مصحوبًا بصور إحدى العلامات التجارية بإشارة واضحة إلى سلسلة مقاهي شهيرة. توالت الأخبار أنه من الآن وصاعدًا على تلك السلسلة وغيرها وضع العبارة التحذيرية على منتجات القهوة، والتصق هذا التصور وكأن سلسلة المقاهي تلك مسؤولة عن القهوة في الولاية.

القصة الأخيرة في السعودية عندما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي إصابات مَرضية بين مجموعة من طلاب المدارس. تناولت العديد من الجهات الإعلامية الخبر وأسلوب تعامل وزارة التعليم مع الأزمة، وعلى الرغم من أنها عارض صحي إلا أن وزارة الصحة لم تصلاها ألسنة النقد كما هو الحال مع وزارة التعليم.

ما لفت انتباهي لأربط بين القصص الثلاث، هو مدى مقاومة المنشأة أو علامتها التجارية للأحداث السلبية. ففي الأولى لم ترتبط شركة السيارات السويدية ڤولڤو بالحادث المؤسف لسيارتها حتى أن الخبر الذي نشرته رويترز وعدد من الصحف لم يُشير إلى نوع السيارة ولا علامتها التجارية، واكتفى الخبر بذكر أن السيارة كانت من فئة سيارة رياضية متعددة الاستخدامات (SUV). في القصة الثانية تناقلت وسائل الإعلام خبر الأمر القضائي حول القهوة بإشارة واضحة إلى سلسلة مقاهي ستاربكس وكأن الدعوى القضائية رُفعت ضدها بالاسم في كاليفورنيا. وأخيراً قصة العارض الصحي بين الطلاب والذي أوقع اللوم على وزارة التعليم أكثر من الجهة المسؤولة عن الصحة.

لماذا خرجت ڤولڤو من حادثة السير (كالشعرة من العجين)؟ ولماذا حَملت سلسلة مقاهي ستاربكس لواء المتسببين بمرض السرطان؟ ولماذا واجهت وزارة التعليم الجرب وكأنها إدارة لمكافحة العدوى؟

الإجابة برأيي هي الحصانة. عندما تحصّن منشأتك أو علامتك التجارية تتكون لديها مناعة ضد الأحداث السلبية. والحصانة هنا تكون ببناء المنشأة أو العلامة التجارية على قِيَم واضحة وربط هذه القيم بأعمال المنشأة وتعزيزها باستمرار.

قيمة السلامة لدى ڤولڤو وَقَت الشركة من أن تكون ذات علاقة بالحادثة لأنها بَنت علامتها التجارية على هذه القيمة وعززتها في رسائلها جيلًا بعد جيل. فلم يعد متوقعًا منها الإخفاق في مجالات السلامة وعندما وقع حادث السير تناولت الأخبار والشكوك أطراف أخرى أضعف.

الانتشار الواسع لعلامة ستاربكس لم يخدم الشركة في القصة الثانية بل كان عامل جذب لأن الاسم اللامع مرتبط بالقهوة. فلو أن الشركة مثلًا قد رسخت قيمة كالصحة الغذائية وعززتها من خلال رسائل واضحة لغَلب ارتباطها بتلك القيمة على ارتباطها بخبر التسبب بالأمراض.

وأخيرًا بين وزارتي التعليم والصحة فالقِيَم – إن وجدت – ومدى تعزيزها لم تُسهم في تفادي الأزمة. وعندما انتشرت أخبار العارض الصحي بين الطلاب، اتجهت الأنظار إلى الوزارة الأضعف إعلاميًا. فوزارة الصحة لديها قيادة رسّخت صورة يصعُب على النقاد النيل منها. فأعمال الوزارة كانت تبرز إعلاميًا وتجد أصداء إيجابية لذا تحصّنت وزارة الصحة وأصاب الجرب وزارة التعليم.

2 thoughts

  1. مقال رائع أستاذ أحمد

    قرأته أكثر من مره واستمتعت يقرائته
    لا تحرمنا إبداعاتك وتميزك نفع الله بك

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s