الفوركس وتسرب المياه والسحر الأسود

أعتقد أنني أتكلم باسم شريحة لا بأس بها عندما أصف حجم الضجر الناجم عن اتصال رقم غريب يبدأ بتحيتك باسمك: “آلو… مستر أحمد؟!” وكأنه يعرفك ثم تتفاجأ بعرضه للاشتراك في بطاقة عضوّية أو شراء منتج ما، أضف إلى الأسلوب الرخيص، الوقت الذي أهدر خلال تلك المكالمة. كذلك هو الحال عند تلقي رسالة نصية تدعو لاغتنام الفرصة والاستفادة من تخفيضات على منتجات قد لا تهمك إطلاقاً.

يعتمد التسويق المباشر على الرسائل الإعلانية الموجهة للعميل لتزويده مباشرةً بمعلومات المنتج أو الخدمة لغرض البيع. ومن أمثلته المطويات والكتالوجات والمنشورات البريدية ورسائل البريد الإلكتروني وأكثر ما يهمنا في هذا المقال هو التسويق عبر الاتصال الهاتفي والرسائل النصية. إضافة إلى زيادة المبيعات، فالتسويق الهاتفي أحياناً يُستخدم لجمع المعلومات أو لاستطلاع الرأي. مع تطور التقنية وفي عصر المعلومات يُفتَرض أن تتطور عملية التسويق عبر الهاتف لتصل إلى هدفها (العميل المناسب) بشكل أدق وتقدم له ما يحتاجه فعلاً، لكن العملية أصبحت خبط عشواء. أذكر هنا أول عهد لي بالتسويق عبر الهاتف كان حول مكنسة كهربائية عجيبة تقوم بأدوار تنظيف متعددة! تلقيت المكالمة ولم أكن حينها العميل المناسب لمثل هذه المنتجات (لم أكن ضمن الفئة العُمرية المناسبة وبالتالي لم يكن لدي الدخل الكافي لشراء منتج بتلك القيمة) فما كان مني إلا الاعتذار وإنهاء المكالمة. ولعلي كذلك أذكر رسالة نصية تلقيتها مؤخراً:” تخفيضات حتى25% على العدسات اللاصقة الملونة والشفافة [الفلان] للبصريات” فلو افترضنا جدلاً أنني مهتم بالمنتج، فالرسالة لم تحتوي على أرقام للتواصل ولا عنوان للمتجر. بل حتى الرقم الذي أتت منه الرسالة لم يظهر لي وإنما فقط الاسم باللغة الإنجليزية. تطبيق هذا النوع من الاتصال بهذا الشكل مدعاة للتساؤل، لما مضيعة الجهد والوقت في عرض منتجات غير مناسبة؟ وكم دفع “الفلان للبصريات” مقابل هذه الرسالة الفارغة؟

إن كان الغَرض هو فقط لإضافة أسلوب دعائي يُضفي مزيداً من التنوع للمزيج الترويجي في خطة التسويق فهذا تزييف وهدر. كذلك الأمر في استطلاعات الرأي، لأن المعلومات في بعض الأحيان تُقَدّم لأصحاب القرار كمحتوى كمّي (تم التواصل مع ألف عميل، قمنا بإرسال عشرة آلاف رسالة نصية… وهكذا) وكثيراً ما تفتقد التحليل الصحيح والدقة. لذا تتحول هذه الأساليب إلى محتوى فارغ لا فائدة منه وقد تنعكس على المنشأة سلباً. تكرار هذه الأخطاء في تطبيق هذا النوع من التسويق جعل الكثير من العملاء يَمقُت هذا الأسلوب والقليل منهم يتفاعل معه.

تطورت وسائل التقنية وجمع المعلومات وأصبحت أرقام هواتفنا عبارة عن وحدات معلوماتية ضمن قوائم ذات قيمة سوقية. تقوم شركات التسويق الهاتفي بجمع أكبر عدد من أرقام الهاتف ومن ثم تعرض خدماتها الإعلانية على الشركات والمؤسسات مما جعل الكثير من بيانات الاتصال الشخصية في متناول اليد لكل من يريد شرائها.  سواءً كان ذلك لغرض تسويقي وتجاري بحت، أم لأغراض تخريبية أو إجرامية. يكمن الخطر في الاتصالات المشابهة في الفكرة ولكن هدفها إما مشبوه أو إجرامي. هذه الاتصالات تستدرج الضحية (لم أعد أسميه عميل هنا) لعملية نصب واحتيال. سمعنا مؤخراً عن اتصالات تبارك لك بالفوز بمبلغ من المال وسرعان ما يطلب منك إرسال رقم بطاقة شحن (مُسبقة الدفع) لإكمال الإجراءات. أو اتصال يدعوك للاستثمار في العملات الأجنبية وإذا شكرته وقلت له أنك غير مهتم، كما حدث لي، خاب أمله فأسرع بالسب والشتم قبل قطع الاتصال. وأخيراً ساحر التقنية وعابر القارات يتصل فيعرض خدماته لإبطال العمل المشؤوم والسحر المدفون لك في الصحاري أو الأدغال.

أود أن أختم بعدد من الرسائل:

لزملاء المهنة: التسويق عبر الهاتف للأفراد (B2C) بالذات مجازفة كبيرة. قلة هم الذين يتقنون هذا النوع من التسويق حالياً. أضف إلى ذلك أنه لم يعد مقبولاً لدى كثير من الناس بل أصبح مشبوهاً. فلا تلوث سمعة الجهة التي تسوّق لها، وتَوَخّ الحذر إن كنت مضطراً لتطبيق هذا النوع من التسويق، حتى لا يكون مِعولاً يهدم علاقتك بعملائك. ربما يتوجّب عليك جمع بعض المعلومات عن عملائك لتتعرف عليهم وعلى احتياجاتهم. فكن حريصاً على سريّتها وتذكّر أنك حصلت عليها لثقتهم بك فلا تخسر تلك الثقة.

لمسؤولي وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات: يجب سنّ قوانين وعقوبات (غرامات مالية) تطبق فوراً ضد الجهات الضالعة في عمليات بيع أو تداول بيانات الاتصال للأفراد دون أذن أصحابها. كما يجب تهيئة السُبل للمستهلك لوقف الإعلانات التي تصل إليه من خلال الاتصال المباشر من مزود الخدمة أو الرسائل النصية بدءاً من التخفيضات ومروراً بالتبرعات إلى رسائل كشف تسرب المياه. كل أساليب التواصل تلك، تجسد تداولاً لمعلومات المستخدمين دون إذنٍ منهم مما بلا شك يقلل من ثقتهم في أمن المعلومات. كما أنها كوسيلة، تشكل خطراً على المستخدم إما من خلال الوقوع في فخ العروض الزائفة والغش أو التعرض لخطر جراء التعامل المباشر مع أشخاص لا ينتمون لجهة معروفة وقد ينتهي بهم الأمر داخل منزل العميل. حالياً لا علم لي بطريقة عَمَلية لوقف الإعلانات وخاصةً إعلانات الرسائل النصية إلا بحضر رقم المتصل، وليس لشركات الاتصالات أي فضل في ذلك حيث أنها إحدى ميزات جهاز الهاتف نفسه. 

لمسؤولي وزارة التجارة: لا بد من منع المحلات التجارية من طلب رقم هاتف العميل لإتمام عملية الشراء عند منافذ البيع. ليس هذا فحسب فقد وصل الحال لدى إحداها إلى طلب رقم الهوية الوطنية أو الإقامة للحصول على بطاقة العضويّة. وهو برأيي سقطة بالنسبة لسلسة مراكز تجارية ناجحة. وكما هو الحال فيما يخص المسابقات والتخفيضات، يجب وضع قوانين وإجراءات تصف صيغة تواصل الجهات التجارية مع الأفراد حتى لا تُبتذل ويساء استخدامها. كذلك فإن السماح للجهات التجارية بالتواصل يُحتم عليها أيضاً تحديد طريقة واضحة تسمح للعميل إيقاف ذلك التواصل متى ما شاء (سواء كان اتصال ورسائل عبر الهاتف أو عبر البريد الإلكتروني أو غيره) فيحق للعميل أن يوقف اشتراكه أو عضويته ويزيل جميع معلوماته من قوائم البيانات لدى تلك الجهة.

لمن تصلهم محاولات التسويق الهاتفي وغيرها: إذا كنت مهتماً بالمنتج أو الخدمة، اطلب رقم التواصل واسم الجهة التجارية وعنوانها واذهب بنفسك للاطلاع على ذلك المنتج أو للتعرف على الخدمة من خلال أحد منافذ البيع. إن كانت تلك الرسائل والاتصالات تزعجك وترِد إليك من خلال رقم هاتف قُم مباشرة بحضر ذلك الرقم. لا تتجاوب مع المتصل الذي يطلب منك تزويده بمعلوماتك الخاصة، وحتماً لا تتجاوب لطلبات تحويل الأموال (قد يستغرب البعض أن أحذر من شيء واضح كهذا لكن الواقع يقول إن هذه الاتصالات لا تزال قائمة لأن هناك من يستجيب لها) إذا علمت أن المتصل كان يحاول استدراجك للغش أو النصب لا تدعه يستمر في ذلك وبلّغ الجهات الرسمية ولا تتهاون.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s