الحقيبة النادرة

الحقيبة النسائية كمنتج، ليست مجرد وسيلة لتخزين ونقل الأغراض الشخصية، بل هي علامة فارقة تُعبر بها المرأة عن شخصيتها وتُبرز مكانتها. فعندما تحمل المرأة حقيبة إرمس (Hermès) من نوع بيركن (Birkin) فإنها لا تعطي انطباعاً عن حالتها المادية الميسورة فقط بل أنها تُبرز قوة علاقاتها وتمكنها لانتمائها لمجموعة حصرية. حقائب بيركن يبلغ معدل أسعارها حوالي 220,000 ريال سعودي. وكما ذكرت اقتناء إحدى تلك الحقائب ليس بيانًا للثراء فحسب، حيث أنك ولو كنت على استعداد تام لشراء أحد أنواع حقائب بيركن ودخلت متجر إرمس فإن احتمال خروجك بواحدة منها ضئيل جدًا وغالبًا ما سيعتذر البائع لعدم توفرها على الرغم من وجودها بالفعل في مكان ما خلف المعرض.

تصرف البائع يمثل توجه إرمس الذي يقصد تمييز تلك الحقائب، فلم تقف عند المبالغة بالسعر بل انتهجت أسلوب النُدرة (Scarcity) في تسويق هذا النوع من الحقائب. هذا الأسلوب هو أحد نتائج دراسات سلوك المستهلك ومبني علميًا على دراسات علم النفس وبالتحديد تحليل السلوك .تحليل سلوك المستهلك هو أحد التطبيقات التي وُظفت مؤخرًا في التسويق لتلبية رغبات العميل. هذه التطبيقات مستوحاة من أفكار مؤسس مدرسة التحليل النفسي وعلم النفس الحديث سيجموند فرويد (Sigismund Freud) وتعتمد على تلبية رغبات الناس وبالتالي جلب السعادة لهم.tweet غير أن كثيرين طوّروا من هذه الأساليب وسخروها لأغراض تسويقية. أذكر هنا مثالًا لتطبيقات علم النفس عام 1950 ففي إحدى شركات الأغذية التي تنتج الكعك سريع التحضير، كانت طريقة تحضيره تتطلب فقط إضافة الماء للخليط ومن ثم خبزه مباشرة. لكن الشركة أرادت التأكد أن المنتج مناسب لعملائها، فاستعانت بعدد من الأخصائيين النفسيين الذين وجدوا في نهاية بحثهم أن تحضير المنتج كان أسهل مما يجب، مما دعا السيدات في ذلك الوقت إلى الشعور بالذنب حيث أنها لم تقم بجهد يُذكر لتحضير الكعك. وكان مقترح الأخصائيين النفسيين هو تكليف العميل بإضافة مكون آخر أثناء التحضير لتقليل الشعور بالذنب وبالفعل كان البيض هو المكوّن الإضافي وكان له أثر كبير في ارتفاع المبيعات.

أسلوب النُدرة هو كذلك أحد نتائج تحليل سلوك المستهلك. ففي حين يُستخدم كمحفز لشراء المنتج قبل نفاد الكمية أو حتى بعد نفاد الكمية فإنه يترك انطباعًا أنه منتج عالي الجودة وإلا لما نفد من السوق. كذلك فإن أسلوب النُدرة يخلق هالة خاصة للمنتج فيصبح الحصول عليه غاية لتحقيق مكانة اجتماعية tweet كما هو الحال في حقيبة إرمس فهي غاية لا تُدرك بوفرة المال فقط مما يزيد من شأنها ويصبح مُلاكها يتباهون باقتنائها وكأنهم مجموعة حصرية من الأثرياء، فالثراء بحد ذاته ليس كفيلًا للانضمام لهذه المجموعة. هذا الشعور الذي خلقه أسلوب إرمس في تسويق هذه السلسلة من الحقائب جعل منها غاية لدى كثير من الأثرياء وأعلى من شأن الحقيبة فلم يعد هناك مجال لمقارنتها بالحقائب الأخرى وحتى لو كانت تقاربها في الثمن لأنك غالبًا لن تجدها لتقارنها بغيرها.

قد يعترض البعض على هذا الأسلوب لأن إرمس بنهجها هذا ترد زبائن قدموا إلى المتجر وهم جاهزون للشراء والدفع بحجة عدم توفر خط الحقائب بيركن بينما هي غالباً متوفرة. وهذا ما يسمى بالمبيعات المُهدرة (lost Sales) والتي تمثل القيمة التي يُمكن الحصول عليها لولا سبب ما أعاق عملية البيع، قد يكون عدم توفر مقاس معين أو لون محدد أو كما في حال حقائب بيركن عدم توفر المنتج. أحد الدلائل على هذا النهج عادةً يتضح بعبارات مثل “الكمية محدودة” أو الحجز المسبق للمنتج. كما أنه أسلوب فيه مخاطرة حيث لا يجري بسهولة على أي منتج، وقد لا يستسيغه أي عميل، فتوخي الحذر واجب عند تطبيقه.

بعيدًا عن عالم الثراء، نجد استخدامات مختلفة لأسلوب الندرة في تسويق بعض المنتجات وكذلك الخدمات. انتهجت كثير من المتاجر والمطاعم اساليب مشابهة لإعطاء طابع خاص أو مميّز لها. فعندما يدّعي مطعم ما نفاذ كمية اللحوم قبل نهاية اليوم ويعتذر لزبائنه الذين اصطفوا في طوابير امتدت للشارع بشكل متكرر، أو عندما يشترط مطعم ما حصولك على مفتاح خاص للدخول، أو عندما تزيد مدة الانتظار عن المدة المعقولة على الرغم من توفر المكان، فاعلم أن هناك من يحاول لفت انتباهك. عندها ستكون أكثر اهتمامًا بالمنتج أو الخدمة وبعد عناء حصولك على ما تريده سيكون هناك موضوع يستحق المشاركة وقصة ترويها للآخرين فتروّج أنت لذلك المنتج أو الخدمة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s